Please find an electronic version of the article here:
http://www.alrai.com/article/597061.html
عمان- محمد جميل خضر-لم تكن مصادفة عادية تلك التي قادت عازف الجيتار الكندي من أصل أردني طارق حرب، ولم يكن وقتها يبلغ السادسة من عمره، لحضور أمسية موسيقية كلاسيكية للمعهد الوطني للموسيقى. بهره في ذلك اليوم البعيد عازف كمان زائر، وما كان منه إلا أن قال لوالدته أريد أن أصبح عازفاً مثل ذلك العازف. لم تكذب الأم خبراً، وأرسلته على الفور لتعلم العزف على الآلة الحنونة ولكن صعبة المراس في الوقت نفسه. وتدريجياً بدأ الصبي يتقن العزف على الكمان بشكل لافت، لم يمر مرور الكرام على كل من رآه ولاحظه من المتخصصين.. فحرب كما يقول في حوار أجرته «الرأي» معه لم يكن طموحه أن يكون واحداً من عازفي الأوركسترا، بل ذهب طموحه لأبعد من ذلك وبما يتيح له قيادة الجانب الانفرادي من المعزوفات وفقرات الأمسيات. وهو ما بدأ العمل عليه والتحضير المبكر له، حتى أنهى الثانوية العامة، ووصل لذلك المفترق الأساسي في حياة الشباب في مجتمعنا، وعندما أبلغ أسرته رغبته أن يواصل تعلم العزف على الكمان في جامعة كندية، تفاجأ أن تشجيع أهله له خلال أعوامه المدرسية لم يصل لأن يقبلوا أن تكون درجته الجامعية في هذا الحقل، بل هي كما يرون موهبة جانبية لا ينبغي أن تتصبح محور حياته ووجهة تحصيله الأكاديمي. نزل حرب عند رغبة أهله، وسافر لدراسة العلوم المصرفية في مونتريال الكندية، وهناك لم ينس العزف ولم ينس الكمان. أنهى متطلبات حصوله على الدرجة الجامعية الأولى في العلوم المصرفية وتخرج من جامعة هناك، وعمل فور تخرجه في بنك، ولكن هاجسه ظل هو هو، وعاد إلى صديقه الكمان، واستعاد علاقته العضوية معه، وتعلق به مرة أخرى، إلى أن اتخذ قراراً جريئاً شكّل عنواناً لحياته بعد ذلك: استقال من العمل، وتقدم لامتحان قبول في كلية الفنون في جامعة كندية، نال القبول بمنحة كاملة (وكان حصل قبل ذلك على الجنسية الكندية)، وما هي سوى سنوات حتى نال درجة بكالوريوس أخرى، ولكن هذه المرّة بكالوريوس بالعزف على آلة الكمان. لم تنته قصة حرب عند هذا الحد، فقد قادته مصادفة أخرى إلى آلة الجيتار كلاسيك، ويبدو أنها آلة كانت محفورة في وجدانه مذ كان صغيراً، حملها وترك الكمان، وإذا بالعلاقة بينه وبينها تأخذ منحى آخر لا تقارن بما كان بينه وبين الكمان، وبدأ يحقق على آلته الجديدة إنجازات لافتة في بلد يبلغ عدد مبدعيه من العازفين على الآلة نفسها بالمئات. وما هي سوى سنوات قليلة حتى أصبح حرب وبعد أن حصل على درجة الماجستير بالعزف على الجيتار كلاسيك، من أهم العازفين على الآلة في كندا، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق بشهادة النقاد هناك، وبشهادة أساتذته. ومن أمسية إلى أخرى ومن عزف منفرد إلى آخر، أصبح اسم الفنان الذي غادر الأردن مبكراً للدراسة ولتحقيق مكانة له في مسيرة الحياة، اسماً متداولاً في الساحة الفنية الكندية، ومعروفاً في كثير من الدول الأوروبية والغربية
حرب الذي يكمل الآن دراساته العليا في كندا للحصول على درجة الدكتوراه على آلة الجيتار، والذي منحه المركز الثقافي العربي قبل أيام العضوية الفخرية «تقديراً لإبداعاته الموسيقية ومكانته الفنية عربياً ودولياً»، يرى أن العلاقة بالجيتار تختلف على صعيديّ المعنى والمبنى بالعلاقة التي يمكن أن تتكون مع آلة الكمان، ففي حالة الجيتار يتحقق الذوبان الكامل والاتحاد الحقيقي مع غياب حاجز القوس، علاقة مباشرة حية وحيوية بين أصابع العازف وأوتار الجيتار. كما إن الجيتار كما يقول حرب يملك خيارات لحنية ونغمية لا يملكها الكمان، ما يمكّنه القيام بدور أكثر من آلة خلال العزف. وهو، أي الجيتار، صديق الرتم وصديق الإيقاع في الوقت نفسه بحسب حرب
حرب الذي يعزف بصوفية يتجلى فيها التبتل حتى أقاصي الوجد، حائزٌ على جائزة اختيار الجمهور في مسابقة باريوس في الباراجواي، إضافة إلى الجائزة الأولى في مسابقة مونتريال الدولية للعزف على الجيتار الكلاسيكي، وهو، بحسب عديد النقاد، أحد أهم عازفي الجيتار الكلاسيكي في جيله. وصف د. جاري أنطونيو عزفه أنه «عزف منساب سلس ومدروس… عازف جيتار يجب مشاهدته». كما تحدث د. الكساندر عن عزفه الاستثنائي ودقته المتناهية في التكنيك. الناقد الموسيقي الكندي جون واينز قال إنه «يتواصل بالموسيقى ليلامس بإحساس عالٍ ما لا يمكن التعبير عنه بالكلام»